الرئيسية / حقوق الانسان / الناجحون الـ 16 في مباراة كتاب العدل… أصحاب حق في التعيين

الناجحون الـ 16 في مباراة كتاب العدل… أصحاب حق في التعيين

عدنان نعمة

إن كتاب العدل وإن كانوا بحكم وظيفتهم مرتبطين بوزارة العدل، إلا أنهم وبحسب المادة الثانية من نظام كتاب العدل لا يتقاضون من الدولة أي راتب أو تعويض، بل يتقاضون أتعابهم من أصحاب العلاقة.
وقد أناطت المادة الثالثة بمجلس الوزراء صلاحية تحديد عدد كتاب العدل وصلاحياتهم المناطقية،كما واستحداث وظائف كتاب عدل في المناطق التي هي بحاجة لها.  كما أن المادة السادسة من القانون المذكور أولت وزير العدل صلاحية وضع نظام المباراة.

هي سلطة تقديرية لمجلس الوزراء في تحديد الحاجة إلى الاستحداث وليست مقيّدة سوى بمسألة الحاجة المناطقية، أن آخر استحداث مراكز لكتاب العدل قد جرى بتاريخ 30/6/2000 بموجب المرسوم رقم 3315،  ومنذ ذلك التاريخ ازدادت المعاملات بسبب زيادة نسبة السكان ووجود اللاجئين السوريين وتطور السوق العقاري وزيادة العائدات والرسوم  التي يتقاضاها كتاب العدل،  ولهذا بدأت الدولة مشروع استحداث مراكز جديدة في العام 2017 في المناطق التي يفوق عدد المعاملات فيها رقم معين كما أن الوزارة قد وجدت أن بعض كتاب العدل يصادقون على ما يقارب  ال 40 ألف معاملة ، فتدخلت لإضافة واستحداث مراكز لتسيير أمور العمل, علماً أن هذا الأمر قد خلق فرص عمل للحقوقيين.  وبالتالي لم يكن الهدف من إصدار مرسوم الإستحداث تعيين الكتاب العدل المتدرجين ال 16 ، ومن الظلم والتجني القول بأن صدور مرسوم الاستحداث هو من أجل تعيين ١٦ كاتب عدل في مراكز مستحدثة,

وبالفعل، فإنه منذ ما قبل العام 2017 بدأت وزارة العدل دراسة وإعداد مشروع مرسوم يرمي إلى استحداث مراكز جديدة لكتاب العدل وتعديل وظائف كتاب العدل، (والدليل أن مرسوم الاستحداث رقم 6299 تاريخ 27/4/2020 قد بني على استشارة مجلس شورى الدولة تاريخ 6/9/2017).

في العام 2018 أعلنت وزارة العدل بموجب كتابها رقم 373/ ك ع تاريخ 28/2/2018 عن حاجتها لتعيين كتاب عدل متدرجين في 56 مركزاً شاغراً عن طريق المباراة التي كانت أبرز شروطها أن يحصل المتباري على معدل 12/20 كحد أدنى لعلامة النجاح، وأن يختار المتباري 3 مراكز شاغرة حيث تجري المباراة على كل مركز منها بين المرشحين لهذا المركز. وتضمّن الإعلان إقراراً من الوزارة بأن يحتفظ الناجحون من الفائض بحقهم بالتعيين حسب ترتيب النجاح خلال السنتين اللتين تليان إعلان النتائج في المراكز التي شوف تشغر لاحقاً، وإن لم تقع ضمن اختياراتهم عند تقديم طلباتهم. وإن صيغة الإعلان المذكورة هي نموذج يستنسخ سنة فسنة بحيث أن حفظ حق الناجحين في المباراة في التعيين ليس أمراً مقرراً لأول مرّة بل هو استقرّت عليه كافة مبارايات كتاب العدل.

جرت المباراة التي شارك فيها نحو 1500 متبارٍ في سابقة لم تشهدها المباريات السابقة لجهة العدد الهائل لطالبي الترشح، ولهذا كان منطقياً بسبب هذا العدد الكبير ان تتأخر أشهر قليلة إعلان النتائج.

وقد أشرف على هذه المباراة لجنة مؤلفة من إحدى و عشرين قاضياً مشهود لهم بنزاهتهم و كفاءتهم، وفقاً لمعايير و أسس موحدة، و قد جاءت نتائج المتبارين إما متعادلة وإما متقاربة جداً ، وبنتيجة المباراة نظمت اللجنة المذكورة محضراً رسمياً موقعاً من جميع القضاة الذين أشرفوا على المباراة أعلنت بموجبه بتاريخ 21/1/2019 عن نتيجة المباراة الخطية  و عن ترتيب الناجحين والذي يشير بوضوح إلى نجاح 85 متبار كما جرى نشر المحضر و الجدول المرشحين الناححين على الموقع الرسمي  الإلكتروني لوزارة العدل تحت عنوان “المتبارين الفائزين”. وكانت العلامات متقاربة جداً وهذا التقارب هو دليل على نزاهة المباراة وجديتها ورصانتها.

 بعد مرور أكثر من سنة على صدور نتائج المباراة، كانت الوزارة بخلال هذه الفترة قد انجزت كافة  الإجرءات والتدابير المطلوب لاستصدار مرسوم استحداث مراكز جديدة وتعديل وظائف كتاب العدل ( والذي كما ذكرنا بدأ العمل عليه قبل العام 2017) وتعيين الناجحين، وهذا ما حصل فعلاً في ذات يوم 27/4/2020 صدرت ثلاثة مراسيم هي:  المرسوم رقم 6299 الرامي إلى استحداث 50 مركزاً جديداً لدوائر كتاب العدل، والمرسوم رقم 6297 الرامي إلى تعيين 56 مرشحاً ناجحاً في المراكز  المطلوبة وفق إعلان المباراة، والمرسوم رقم 6298 الرامي إلى تعيين ثلاثة عشر مرشحاً ناجحاً في المراكز التي شغرت بين تاريخ الإعلان عن المباراة وتاريخ التعيين، وبعد انجاز هذه التعيينات بقي 16 مرشحاً ناجحاً وكانت وزارة العدل ملزمة وفق تعهدها الواردة في إعلان المباراة أن تعمد إلى تعيينهم في المراكز الشاغرة أو التي ستشغر، وبالفعل تمّ تعيينهم بموجب المرسوم رقم 6491 تاريخ 2/7/2020 في 16 مركزاً من المراكز المستحدثة والبالغ عددها50 مركزاً. وقد أبلغتهم وزارة العدل – كم سبق وذكرنا-بضرورة الاستقالة من المهن والوظائف التي يشغلونها سابقاً، وبعدها صدر القرار رقم 825 تاريخ 11/8/2020 الرامي إلى التحاق الكتاب العدل المتدرجين بدوائر كتابة العدل المحددة في متن القرار المذكور لإجراء دورة تدريبية لمدة ستة لأشهر، وقد باشر هؤلاء الدورة التدريبية اعتبارا من تاريخ القرار المذكور.

هذه هي الوقائع الصحيحة، وكل ما عداه لغط وتجني يراد منه تصفية حسابات سياسية أو انتقام بسبب عدم النجاح في المباراة، أما من حيث القانون، فلا ريب بأن التعيين جاء موافقاً للأصول القانونية للأسباب الآتية:

أولاً: لا موجب لاستشارة مجلس شورى الدولة في مشروع مرسوم استحداث مراكز كتاب عدل

لقد استند القائلون بعدم مشروعية التعيين إلى أن هذا التعيين قد بني على مرسوم الاستحداث الذي صدر دون استشارة مجلس شورى الدولة، حول هذه النقطة نجيب:

القرار التنظيمي هو قانون بالمعنى العام لما يتضمنه من قاعدة عامة مجردة تنطبق على كل شخص في المركز القانوني الذي تتوافر فيه شروط هذه القاعدة ورغم أن القرارات التنظيمية تتضمن قواعد عامة مجردة كالقوانين، إلا أنها ليست قوانين لصدورها من السلطة الإدارية، أي أنها من الناحية الموضوعية تشترك مع القوانين، ولكنها تختلف عنها في الناحية الشكلية، لصدور القوانين من السلطة التشريعية، بينما تصدر القرارات التنظيمية عن السلطة التنفيذية.

وتتميَّز الأعمال أو القرارات التنظيمية، عن القرارات غير التنظيمية سواء الفردية منها أو الجماعية بالعناصر التالية: طابع الشمولية أو العمومية فيها، أي أنها تعني الأوضاع العامة- مضمونها المجرد، أي أنها تتضمن أو تقرر قواعد عامة وغير شخصية- طابع الديمومة والإستمرار. العمل الاداري يُعتبر تنظيميا عندما ينشئ أو يعدل أو يلغي مركزاً قانونياً معيناً (acte institutionnel  انطلاقا مما يتضمنه من قواعد تحكم الوضعية القانونية لفئة معينة من الاشخاص المعنيين بالعمل التنظيمي ، كالذي يتعلق بإنشاء وتنظيم المرافق العامة أو تعديل أحكامها أو إلغائها ، على اعتبار أنه يطال فئة غير محددة من الأشخاص الذين هم على علاقة بالمرفق العام (م.ش. قرار  رقم 500  تاريخ 3 /4/2008 ، شركة تلفزيون المستقبل ش م ل ورفيقته/ الدولة – وزارة السياحة ورفاقها، مجلة العدل 3/2008 ص 1097).

وقد ميّز مجلس شورى الدولة بين الاعمال التنظيمية: هي الاعمال التي تنص على قواعد عامة وشاملة وتوجّه الى شخص واحد أو الى عدة اشخاص على نحو مجرّد من دون أي تحديد بالاسم، في حين أن الاعمال الفردية هي تلك التي توجه الى شخص أو عدة أشخاص طبيعيين أو معنويين يحددون بالاسم. هذا وقد أقرّ الفقه والاجتهاد الاداريين بوجود فئة ثالثة من القرارات الادارية تعرف ” بالقرارات غير التنظيمية” أو ” القرارات الخاصة ”  “ actes non réglementaires ou actes particuliers ou décisions d’espèce ” ، وهي القرارات التي تطبق قاعدة عامة مجردة وموجودة على مجموعة أشخاص أو أموال ، دون أن تعدّ قرارات تنظيمية طالما أنها لا تنص بذاتها على قواعد مستقلة (.ش. قرار رقم 1122/ 2017-2018 تاريــخ 19/7/2018 شركة سبورتنغ كلوب ش.م.ل  وشركة فندق ريفييرا سلوم وشركاه ش.م.ل/الدولة).

واستناداً إلى هذا التمييز فإن المراسيم التي تصدق تصاميم وأنظمة المدن والقرى (المادة 12 من قانون التنظيم المدني)، ومراسيم دعوة الهيئات الناخبة، وقرارات توزيع الأقلام الانتخابية، ومراسيم أو قرارات تحديد الحدود الإدارية للقرى والبلدية… كلها قرارت لا تخضع لاستشارة مجلس شورى الدولة الإلزامية.

وحيث أن مرسوم استحداث مراكز كتاب عدّل لا ينظّم هذه المراكز ولا يحدد شروط العمل فيها، وإنما اكتفى بتطبيق المادة الثالثة من قانون تنظيم كتاب العدل، وهو بهذه الصفة لا يتمتع بالصفة التنظيمية ولا موجب تبعاً لذلك لاستشارة مجلس شورى الدولة. وبالفعل بالعودة إلى مراسيم الاستحداث القديمة لم نجد أن وزارة العدل تستشير مجلس شورى الدولة قبل رفع مشروع المرسوم إلى مجلس الوزراء. وذكر على سبيل المثال: المرسوم رقم 2095 تاريخ 4/1/1992، والمرسوم رقم 7508 تاريخ 30/3/1974 .

وحيث أن مرسوم استحداث مراسم كتاب العدل لم ينشئ قاعدة عامة مجردّة وليس له الطابع التنظيمي وفق ما جرى إثباته، ما يعني أن استشارة مجلس شورى الدولة بشأنه غير إلزامية، ما يقتضي عدم الوقوف عند هذا السبب للنظر في مشروعية المرسوم 6299/2020.

ثانياً: إن مرسوم التعيين لا يتعارض مع قاعدة الكفاءة والجدارة المقررة في المادة 12 من الدستور

حاول الطاعنون القول بأن تعيين المتّاب العدل الـ 16 يخالف المادة 12 من الدستور التي تنصّ على أن :”لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لاحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون”. وسيوضع نظام خاص يضمن حقوق الموظفين في الدوائر التي ينتمون إليها.

إن هذه المادة مخصصة لتولي الوظائف العامة، إلا أنه كما أثبتنا في مقدمة هذه اللائحة، فإن الكاتب العدل ليس موظفاً عاماً ولا يتقاضى أي رواتب ولا تعويضات من موازنة الدولة، وإن القانون بتقريره المباراة لتولي هذه الوظيفة، فإنما هو حدد وسيلة إشغالها كما فعل بالنسبة للمختار الذي ينتخب من أبناء المحلة، وكلاهما المختار والكاتب العدل ليس لهما صفة الموظف العام.

وبمعزلٍ عن طبيعة وظيفة كاتب العدل، فإن المباراة كما بينا في المقدمة قد أشرف عليها ونظّمها ونفّذها نخبة من القضاة العدليين والإداريين، ولا يمكن التسلل تحت حجة مخالفة الدستور للطعن بعمل اللجنة القضائية واتهامها بأنها لم تعتمد النتائج الحقيقية للمباراة، وأنها أهملت قاعدة الكفاءة والجدارة.

علماً أنه لا يوجد في نظام كتاب العدل أي قيد طائفي أو مذهبي ولم يقرر المشترع إخضاع كتاب العدل إلى هذا المعيار الوارد في المادة 95 حصراً فيما خصّ وظائف الفئة الأولى، ولهذا لا يمكن النظر أو مناقشة التعيينات لناحية طائفة المعيّن، بل وفق نتائج المباراة. وحيث أن نتائج المباراة التي وقّع عليها القضاة المشرفين قد بيّنت أن الناجحين هم 85 متبارياً وكانت علاماتهم متقاربة، وأن معيار الجدارة والكفاءة متحققاً، أما قبول الفائض، إنما هو تنفيذاً لوعد قطعته الإدارة بتعيين الفائض في إعلان المباراة، وثبتته اللجنة القضائية في محضر إعلان النتائج حيث كتبت اللجنة أمام اسم كل مرشح عبارة” فائض”.

وهذا النص المتحدث عن الوعد بتعيين الفائض عدا عن كونه عرفاً لوروده في كافة قرارات الإعلان عن مباراة لتعيين كتاب عدل، وقد ثبتته اللجنة القضائية المشرفة على الامتحانات، فإنه من المعلوم أن الوعد الذي يصدر عن السلطة الإدارية  هو ملزم لها وإلا فقدت هيبيتها كوزارة العدل وهي تنكث بالوعد والعهد الذي قطعته، وهذا الوعد ألا يمكن مقارنته مع الوعد بالبيع الوارد في العقد المدني الذي يرتب حقاً للموعود له وتمنحه حق المطالبة بالتعويض في حال النكوث عن الوعد، فإذا كان الشخص العادي لا يحق له نكث الوعد فهل نجيز لمقام وزارة العدل نكث الوعد.

علماً أن الوعد بالتعيين لم يأتِ بعد صدور النتيجة، بل قبل الشروع بالمباراة، ولهذا لا يوجد تعيينات لأمر، بل يوجد أيفاء بالوعد كما ورد في إعلان المباراة.

لهذا فإن كافة المعينين الـ 85 هم أصبح كفاءة وجدارة أثبتوها في المباراة، ولا صحة للاتهامات التي تساق ضد أعضاء اللجنة ووزارة العدل بالانحراف والتلاعب بنتائج المباراة، وهي إساءة كبرى للوزارة واللجان الفاحصة.

وعليه تكون المباراة قد جرت وفقا لنظام ومعايير موحدة ويكون مبدأ المساواة كحق دستوري وكـمبدأ من المبادئ العامة للقانون قد جرى احترامه ولا تشوه هذا الواقع بعض الإدعاءات الزائفة والباهتة بوجود تزوير في علامات المتبارين.

استناداً لما تقدّم فإن كافة الناجحين هم أصحاب جدارة وكفاءة وعيّنوا لأنهم يستحقون ذلك ولم يراعَ في تعيينهم أي اعتبارات أخرى.

ثالثاً: ليس صحيحاً أن مباراة كتّاب العدل قد خالفت قواعد إجراء المباراة

حاول بعض المشككين القول بأن المباراة قدخالفت نظام كتاب العدل لناحية عدد المواد القانونية.  وأن قانون كتاب العدل أوجب أن لا يقل عدد المواد القانونية عن الخمسة مواد في حين أن مباراة كتاب العدل التي جرت تضمنت فقط أربع مواد قانونية، معتبرين أنها تخالف المادة 6 التي تنصّ على أن:”يضع وزير العدل نظام المباراة ويحدد المواد القانونية التي تجري عليها على ان لا تقل عن خمس مواد”.

بالعودة إلى مواد المباراة نجد أنها ضمّت ما يلي: القوانين العقارية: قانون الملكية العقارية، نظام السجل العقاري- قوانين مختلفة:  قانون كتاب العدل، الرسوم العقارية، رسم الطابع المالي- القانون المدني: النظرية العامة للعقد، العقود المسماة- قانون أصول المحاكمات المدنية: الاثبات بالكتابة، العرض والإيداع الفعلي- يضاف إليها مادة خامسة ثقافة عامة باللغة الأجنبية.

ولما كان المشترع في المادة السادسة قد استخدم مصطلح مادة قانونية، والمادة بتعريفها المتصل بالمباريات التي تجري لتولي وظيفة ما، إنما يقصد بها المادة القانونية المستقلة والمنفصلة عن سواها من مواد، بحيث تدرج في قانون مستقل أو تدرّس لأهميتها بصورة منفصلة.

وبالعودة إلى مواد المباراة: نجد أنها تضمنت:

  • مادتان في القانون العقاري منفصلتان عن بعضهما: قانون الملكية العقارية، نظام السجل العقاري.
  • مادتان في القوانين المختلفة، منفصلتان عن بعضهما: مادة قانون كتاب العدل، ومادة الرسوم العقارية ورسم الطابع المالي.
  • مادتان في القانون المدني، منفصلتان عن بعضهما: النظرية العامة للعقد، العقود المسماة
  • ومادة أصول المحاكمات المدنية.
  • مادة ثقافة عامة.

بحسب هذا التصنيف للمواد يتبين أن المباراة قد تضمّنت امتحاناً في ثمانية مواد قانونية ومادة ثقافة عامة. يضاف إلى ذلك أنه لو أخذنا بالتفسير الآخر المعتمد على التفريق بين تعبيري “القانون” و”المادة”. فالمقصود بحسب هذا الرأي أن المادة القانونية، هي المادة التي تُدرّس في كليات الحقوق في الجامعات أي المقرر الآكاديمي وليس القانون بحد ذاته. من ثم فإن القرار قد حدد المواد بيد أنه جمعها تحت باب القانون التي تنبثق منه. هذه هي الحال بالنسبة لقانون الملكية العقارية الذي يدرس في السنة الأولى حقوق، بينما مادة السجل العقاري تدرس في السنة الثالثة. وكذلك النظرية العامة للعقد التي تدرس في السنة الثانية بينما تدرس مادة العقود المسماة في السنة الثالثة.

فلو أراد المشترع خلاف ذلك لنص صراحة على أن تجري المباراة على أساس خمسة قوانين مختلفة. عدا عن ذلك، فإن العرفدرج على إتباع هذا التقسيم منذ إقرار القانون 337/ 1994 إلى يومنا هذا، ولا ضرر مما جرت به العادة (Ab assuetis non fit injuria). وبالتالي فإن وزارة العدل لم تخالف القانون عند إجراء المباراة.

رابعاً: إن بند حفظ الحق بالتعيين لا يخالف الأصول القانونية

تضمنت الفقرة العاشرة من القرار رقم 373/2018 المتعلق بالإعلان عن المباراة على ان “يحتفظ الناجحون من الفائض بالحق بالتعيين حسب ترتيب النجاح خلال السنتين اللتين تليان إعلان النتائج في المراكز التي سوف تشغر لاحقاً، وإن لم تقع باختيارهم عند تقديم طلباتهم”. وهي قد أدلت فيما سبق تأكيداً على قانونيتها بما يأتي:

  1. إن حفظ حق الناجحين من الفائض في التعيين أصبح عرفاً لاستقرار كافة إعلانات المبارياة على تكريسه بنصٍ صريح.
  2. إن حفظ حق الناجحين بالتعيين، هو وعد ملزم بل تقرير نهائي اتخذته الإدارة تجاه المتبارين ومن واجبها تنفيذه.
  3. إن اللجنة القضائية التي أجرت المباراة قد ختمت توقيعها للنتائج بأنهم المتبارون الفائزون، وذكر في قرار إعلان النتائج كلمة فائض للدلالة على تنفيذ الإعلام بحفظ حقهم بالتعيين.
  4. لا يوجد في القوانين اللبنانية أي نصٍ قانوني صريح أو ضمني يمنع قبول جميع الناجحين وتعيينهم، بل على العكس من ذلك فإننا نجد في التطبيق أن الدولة تعمد إلى تعيين الناجحين فوق العدد المطلوب للمباراة لحاجاتها إليهم، ومن أمثلتها: تعيين مهندسين من الفائض في وزارة الاتصالات، تعيين أساتذة تعليم ثانوي من فائض الناجحين…
  5. إن هؤلاء الفائض قد نجحوا بمباراة جرت وفق الأصول، وبالتالي لا محل للقول بأي محالفة لمبدأ المباراة كوسيلة قانونية لتعيين كتاب العدل.

إضافة إلى ما تقدّم، فإننا نضيف حجتين:

  • الحجة الأولى: أن الإدارة ملزمة بالمقررات التي تصدر عنها، وهذا ما قضى به مجلس شورى الدولة من أن عدم تنفيذ الإدارة ما التزمت به يعتبر تمنعاً عن القيام بعمل من الاعمال التي توجبها القوانين والانظمة (م.ش. قرارات رقم 121 و122 و123 تاريخ 26/5/1988، بلدية بيروت/ وزارة الداخلية).
  • الحجة الثانية: لا يوجد أي مخالفة قانونية في تعيين فائض الناجحين في مراكز مستحدثة، بخاصةٍ وإن الإدارة ملزمة بتعيينهم وتوفير المراكز لهم للتعيين وإلا فما هي الجدوى من حفظ حقهم بالتعيين وحصره بسنتين خلافاً للمرات السابقة حيث كان حفظ الحق بالتعيين غير محدد بمهلة، ولهذا فإن اصدار مرسوم الاستحداث الذي كما أشرنا في المقدمة قد ابتدأت دراسته والتحضير له قبل تاريخ إجراء المباراة، وقد تزامن صدوره مع صدور مراسيم التعيين، مع إعادة التأكيد أن الوزارة كانت ملزمة بتعيينهم وليس لها أي خيار بذلك ذلك أن قرار الإعلان عن المباراة كان واضحاً لهذه الناحية ولم يكن للإدارة أي فرصة للرجوع عن هذا الواجب أو التنصل من تأديته.

وقد دأبت الإدارة في كلّ مرّة تعمد فيها إلى استحداث مراكز جديدة لكتاب العدل، أن تبدأ بملء هذه المراكز الشاغرة من الناجحين في المباريات السابقة، بحيث من يقرأ هذه المراسيم يلاحظ أنها لا تتضمن نصاً بوجوب إجراء مباراة، وما ذلك إلا لأن الإدارة مستقرة في نهجها على الشروع أولاً بتعيين فائض ناجحي المباراة السابقة، نذكر كأمثلة: المرسوم رقم 1689 تاريخ 26/8/1971- والمرسوم رقم 7508 تاريخ 30/3/1974- والمرسوم رقم 8575 تاريخ 8/8/1974- والمرسوم رقم 2896  تاريخ 24/4/1980 والمرسوم رقم 2095 تاريخ تاريخ 4/1/1992 والمرسوم رقم 2438 تاريخ 16/6/1992.

 خامساً: لا مخالفة للمادة 50 بفقرتيها 1 و8 من قانون كتاب العدل

حاول المشككون بصحة التعيين أن هذا التعيين قد استند إلى المرسوم رقم 6299 المتعلقة بتعديل واستحداث وظائف كتاب عدا دون الرجوع إلى رأي مكتب مجلس كتاب العدل كما تنصّ الفقرة 8 من المادة 50 التي منحت مجلس كتاب العدل الحق بأن يبدي الرأي حول إنشاء دوائر جديدة لكتابة العدل أو إلغاء دوائر قائمة أو نقلها.

إن هذا السبب غير صحيح أيضاً لسببين:

  • السبب الأول: أن بناءات المرسوم رقم 6299 تاريخ 27/4/2020 واضحة لناحية أنه مبني على كتاب مجلس الكتاب العدل في لبنان رقم 5/2019 تاريخ 16/4/2020، ما يعني أن وزارة العدل قد اطلعت على رأي مجلس كتاب العدل، وتكون الإدارة قد راعت شرط استطلاع رأي مجلس كتاب العدل.
  • إن مجلس كتاب العدل وجّه كتاباً إلى وزارة العدل ويبين بموجبه عدم الحاجة إلى زيادة مراكز كتاب العدل، فهذا الكتاب دليل حاسم على إبداء مجلس كتاب العدل رأيه من زيادة واستحداث مراكز كتاب العدل.

علماً أنه من الناحية القانونية، فإنه لا يوجد صيغة معينة لبيان الرأي كما لا يشترط أن  يكون الرأي إبجابياً، وهذا ما قضى به مجلس شورى الدولة من أن استطلاع رأي هيئة ما منصوص عليها في القانون لا يعني أن هذا الرأي هو رأي ملزم من حيث مضمونه وأن القرار النهائي يجب أن يكون مطابقاً له، فالمرجع الصالح لاتخاذ هذا القرار يبقى حراً في اتخاذ الموقف الذي يراه من القضية موضوع الرأي (م.ش. قرار رقم  104 /2019-2020 تاريــخ 6/11/2019 الجامعة اللبنانية وجمعية “رابطة خريجي كلية الهندسة في الجامعة/ الدولة – وزارة التربية والتعليم العالي).

من خلال ما تقدّم لا يوجد أي مخالفة في تعيين الناجحين الـ 16 في مباراة تعيين كتاب العدل، ولهم الحق المكتسب بهذا التعيين المتوافق مع الأصول القانونية.

عن Sara Raad

مديرة التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بالفيديو السفير السعودي: “أخلاقيات المملكة العربية السعودية أعلى من هذه التصريحات”

بعد تصريح وزير الخارجية شربل وهبة على شاشة قناة الحرة، أفاد مراسل اخبار العالم الآن، ...