الرئيسية / مقالات / مُصَدّرة الحرف تستغني عن الورق..

مُصَدّرة الحرف تستغني عن الورق..

مريم نزار بليبل

في حقبة لم نعشها، نحن الجيل الجديد، كانت بيروت عاصمة الثقافة العربية، كانت منبر الكلمة الحرة، كانت طابعة الحرف… نعم كانت، لكن ما عادت! أول مطبعة في العالم العربي” دير مار يوحنا” كانت في خنشارة اللبنانية، أما اليوم فواقع الصحافة المكتوبة واقِع مرير. بدأتها ”السفير” لتتبعها ” الأنوار” و ” المستقبل ” بتوديع الكشوك.. و مستقبل باقي الصحف ليس بضبابيا حين يقول طلال سلمان(قُضيَ الأمر: إنتهى عصر الصحافة المكتوبة). تتوالى أسباب هذا التراجع، فلا نكران بأن الصحف بمعظمها ممولة من خارج الحدود اللبنانية، و بعد أحداث ما سُمِّي بالربيع العربي و ما تلتها من انقسامات، إندثرت المعونات المالية التي كانت تأتي من بعض الدول العربية لتغذية بقاء و استمرارية بعض الصحف. عدا عن غياب أي دعم من قبل الدولة اللبنانية لهذا القطاع. أما عن” شبح مواقع التواصل الاجتماعي” الذي كان أرضاً خصبة لتناقل الأخبار بشكل سريع و إلى شبكة أوسع من الناس بشكل شبه مجاني إضافة إلى استقطابه لكل أشكال الإعلانات التي كانت قد تُغذي الصحافة المكتوبة.. و إن أوزعنا إحدى أسباب اندثار المُقبِلين لشراء الصحف، إلى تنامي مُعتَمِدي التواصل الاجتماعي كوسيلة لمعرفة الأخبار، لا بسعُنا إغفال المساوئ التي تنجم عن سيطرة هذا السلوك على الجيل الصاعد الذي سيكتفي بمعرفة قشور الأحداث، جيل ” قُرّاء العناوين ” ففي الوقت الذي تملك فيه الصحف القراءات التحليلية المعمقة للأحداث، فإن في المقابل أخبار وسائل التواصل الاجتماعي تُشبع هذا الفضول الجماهيريّ الخجول للمُستجدات، بشكل و أسلوب خجول أيضا فمن حَمل الجريدة ليس كمن حمل الهاتف. إننا في أزمة غياب المعرفة الواقعية للوقائع، في أزمة جيل عارف للأحداث جاهل لأبعادها. لسنا في طور تجريم الوسائل الإخبارية المُستخدثة التي يعود لها الفضل بأن يصبح التواصل متبادل، فالقارئ أصبح بإمكانه نقد ما قرأ. كذلك سنُنِحت الفرصة لحدوث نقاشات بين بيعيدي الفكر، لكن في مقابل هذا، و بحسب من عايش الك الفترة التي كان فيها شارع الحمرا شارع الثقافة النابض بروح الفكر و التغيير، فالمقاهي التي كانت تضج بحاملي الكتب و الجرائد المقاهي التي كانت تعلو فيها النقاشات الفكرية و السياسية بُدِّلت اليوم بمطاعم الوجبات السريعة تضج بالأحاديث السريعة؛ حين صار شارع الحمرا شارع تجاريّ. و الأزمة اليوم لا أطال فقط الصحف، لكن كذلك دُور النشر و المكتبات، لأن المدارس حين لا تضع الكتاب بين الأيادي، بدلاً من ذلك، و باستهتار من المحيط الأهلي، يُوصع الهاتف كخَيار وحيد و النتيجة نشوء أبعد ما يكون عن الكتاب. السؤال ليس عن مصير الصحافة المكتوبة، لكن عن مدى إمكانية الوسائل الإخبارية الحديثة من تعويض الغياب القسري للصحف. و ما هي الآثار التي ستُلحظ على فهم الجمهور و الرأي العام للمسائل الإجتماعية و السياسية؛ و الأهم الآثار التي ستطرؤ على ردات فعلهم تجاهها.

عن INN-News

رئيس التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بالفيديو السفير السعودي: “أخلاقيات المملكة العربية السعودية أعلى من هذه التصريحات”

بعد تصريح وزير الخارجية شربل وهبة على شاشة قناة الحرة، أفاد مراسل اخبار العالم الآن، ...