الرئيسية / مقالات / استقالة الحريري وقرار نصرالله وثوار لبنان

استقالة الحريري وقرار نصرالله وثوار لبنان

فارس خشّان/

لم يجد “حزب الله” في تقديم الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته، سوى “مضيعة للوقت”، وفق بيان صادر عن كتلة الحزب النيابية.

وهذا يعني أنه من وجهة نظر “حزب الله” أن شيئا لن يتغير على المستوى الحكومي، لاحقا، بل الأمور ستعود كما كانت عليه قبل الاستقالة، ولذلك فالخطوة المتخذة هي “مضيعة للوقت”.

وبديهي ألا تشذ كتلة الحزب النيابية في كلامها عن كلام أمينه العام حسن نصرالله الذي كان، منذ الأسبوع الأول، لانطلاقة الانتفاضة الشعبية الأضخم في لبنان، قد حسم بوجوب عدم تلبية مطالب المتظاهرين الهادفة إلى تغيير التركيبة السلطوية، وهي إسقاط الحكومة، إجراء انتخابات نيابية مبكرة، ورحيل رئيس الجمهورية ميشال عون.

“حزب الله” رسم حدود التعاطي مع ما سماه “الحراك الشعبي”، فالمؤسسات الحالية، بتركيبتها الحالية وبلاعبيها الحاليين، هي التي تتولى تنفيذ الممكن من مطالب الناس.

وهذا النهج مأخوذ من النمط الديني: نحن الآلهة وأنتم العبيد. أنتم ترفعون لنا مطالبكم وصلواتهم ونحن نرى ماذا ننعم عليكم به.هذه الدول في العقل الإيراني عليها أن تكون متراسا متقدما للدفاع عن المصالح الإيرانية

و”مسار الآلهة” لا يقوم على الموقف فقط، بل له أدواته، فـ”ملائكة” نصرالله السوداء نزلت إلى ساحات رفض قراره السامي، وضربت المعتصمات والمعتصمين وحرقت الخيم وهددت بأنّ الآتي أعظم.

استقالة الحريري تجاوزت هذا المسار، فالتظاهرات على عتبة مقره الحكومي ومنزله المتلاصقين، وفي عقر داره الشعبي كطرابلس وعكار وصيدا، ومطالب الناس وغالبيتهم الساحقة ممن هم دون الثلاثين، تفترض التفاعل العملي معها وليس الرد عليها بالبيانات المنمقة وبوعود لا ثقة بالقدرة على تنفيذها، والواقع المالي تخطى الحرج ووصل إلى الخطر الحقيقي، وفق تقييم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والسيطرة على ما يمكن بعد السيطرة عليه يحتاج إلى التعاطي بليونة ديموقراطية مع هذه الأكثرية اللبنانية المنتفضة وليس بتصلب الآلهة التي ترسل وباء الزعران للانتقام ممن لا يطيع.

إذن، الحريري رفض السير بوجهة نظر “حزب الله”، و”حزب الله” استخف باستقالة الحريري ووصفها بـ”مضيعة الوقت”.

وهذا “التصادم” الناعم بين الطرفين له ما بعده، فكيف يمكن استشراف الآتي؟

بيان الاستقالة الذي تلاه سعد الحريري أبقى الأبواب مفتوحة على إمكان عودته إلى منصبه. لنكن أكثر دقة؛ حمل البيان في أسلوب صياغته رغبة بالبقاء في المنصب.

والكلام العلني الوحيد الذي خرج من فم الحريري بعد الاستقالة جاء في قالب مقاطع صورها، بمعرفته، أفراد في وفود زارته للدعم وفيها هاجم “المزايدين” من أهل البيت الذين سبق وأخذوا ماله برضاه أو بالسرقة.

لم يقل كلمة واحدة ضد شركائه الحكوميين، بل صب جام غضبه على “أهل البيت” بسبب المزايدة التي تعني مطالبتهم له بالاستقالة وترك التسوية وتحرير نفسه من “خدمة مصالح حزب الله”.

وهذا الكلام معطوف على بيان استقالته، يظهر أن الحريري يبقي أبوابه مشرعة على إمكان العودة إلى المنصب الذي استقال منه، بمباركة الشركاء الذين أقال حكومتهم.

ووفق الروايات السياسية، فإن الحريري استقال بعدما وجد طريق التعديل الحكومي الذي يستجيب لنداء الناس مقفل، أي أنه لم يستطع أن يقنع رئيس الجمهورية ميشال عون بالتخلي عن صهره ووريثه في رئاسة تياره السياسي جبران باسيل في الحكومة في مقابل أن يتخلى كل طرف في التسوية التي تقوم عليها الحكومة الحالية عن “جبرانه”، واستبدالهم بوزراء اختصاصيين يشيعون الثقة في “الثوار”.

إذن، الحريري انتفض على عدم تلبية طلباته في إجراء تعديل حكومي وازن وصادم و”امتصاص” واحتوائي، فاستقال في بيان أبدى في طياته رغبة بالعودة.

ولكن لو أن الاستقالة ستحقق للحريري ما عجزت عنه المشاورات السياسية السابقة لها، لما كان “حزب الله” قد اعتبرها “مضيعة للوقت”، لأن كل خطوة تنتج مفاعيل ما هي خطوة مفيدة. فقط الخطوات التي لا تنتج أي مفاعيل هي “مضيعة للوقت”.

وهذا يفيد بأن “حزب الله” يوافق على رغبة الحريري بالعودة إلى حكومة تقوم على المعادلات نفسها التي كانت تقوم عليها الحكومة المستقيلة: حكومة سياسية بامتياز، بغلبة وازنة لفريق الحزب السياسي، مطعمة بتكنوقراط.هذا النهج مأخوذ من النمط الديني: نحن الآلهة وأنتم العبيد

بكلام آخر، فالحريري مدعو علنا إلى المائدة نفسها التي خرج منها.

وبات واضحا وضوح الشمس أن “حزب الله” يحمل “أجندة إيرانية”، وهو مثله مثل طهران، ينظر نظرة واحدة إلى وظائف بلدان عدة تهيمن عليها كليا أو جزئيا، مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن.

هذه الدول في العقل الإيراني عليها أن تكون متراسا متقدما للدفاع عن المصالح الإيرانية في مواجهتها المفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

أما رفاهية الشعوب فمسألة ثانوية، و”يسواهم ما يسوى الإيرانيين” من فقر وبطالة وحرمان وقتل وقمع ومعتقلات.

من هنا إلى أين؟

“حزب الله” يرغب بعودة الحريري وفق السقف الذي حدده نصرالله، وإذا ما رفض الحريري فلا يضيره مزيد من “تضييع الوقت” طالما رئاسة الجمهورية رئاسته، و”زعران” الشارع “زعرانه”، وقرار الحرب والسلم قراره…

ولذلك، من يرغب فعلا في تغيير المعادلات، وتليين التصلب، وإنزال الآلهة من عليائها، وإعادة الأمل بالغد، أن يكف عن سلوك المناورة مع شعب، وحده بثورته، من أجل دولة قادرة وفاعلة وقابلة للحياة، قادر أن يصنع ما تعجز عنه الغرف المغلقة والتسويات النتنة.

المصدر : الحرة

عن INN-News

رئيس التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عصابة في لبنان بطلها “سجين “في سجن رومية

محمد عوّاد قام المدعو “داني” بعرض شقّته للبيع على موقع OLX (وهو موقع الكتروني وتطبيق ...