اعداد: جويل غسطين
سدّ بسري، سدّ بقعاتا، سدّ جنة، والآن مقرّ حزبيّ على جبل نهر الكلب.كلّها مشاريع الوصيّ السياسي عليها هو “التيار الوطني الحرّ”، الذي اختار قادته أن يستبيحوا البيئة اللبنانية بغطاء قانوني، متسلحين بمستندات من وزارات يديرونها هم.
وهي مشاريع لا تلبث أن تشهد اعتراضات مدويّة ضدّها منذ اللحظات الأولى من الإعلان عنها. فهل الصراع سياسي كما يقول مناصرو”التيار”، أم بيئي بحت، ضدّ من يقود حملة تدميرية ضد طبيعة لبنان؟
يعتبر ناشطون بيئيون أنّ المقر الحزبي الذي قرّر التيار تشييده على سفوح جبل نهر الكلب فوق عقار تابع لدير مار يوسف –ضبية للرهبنة اللبنانية، هو “انتهاك بيئي واحتيال قانوني”. فما حقيقة هذا الوصف الذي يسجل تهمة واضحة وصارمة بوجه التيار وتسلّط عليه الضوء كحزب “متحايل على التشريعات القانونية ومنتهك للسلامات البيئية”، ومن هم الأطراف المشاركة بهذا العمل؟
معارضة وموالاة:
يدين الناشط البيئي بول ابي راشد بشدة بناء مقر للتيار الوطني الحر على تلة نهر الكلب.
ويقول رئيس جمعية الارض ورئيس الحركة البيئية اللبنانية بول ابي راشد أن المنطقة المصنفة كمنطقة حساسة عام 1998 على عهد وزير البيئة أكرم شهيب، ولا يمكن الا ان تخضع لدراسة تقييم الأثر البيئي بناءً على القانون رقم 444، في حين ان وزير البيئة طارق الخطيب اعطى الموافقة على مشروع التيار مستنداً على فحص بيئي مبدئي فقط. وفي بيان اصدرته جمعية الأرض، اوضحت تلك الأخيرة ان:
“أصول تقييم الأثر البيئي” رقم ٨٦٣٣ وتحديداً المادة ٥ منه التي تنص على أنّه إذا تبيّن أنّ المشروع المقترح الخاضع لدراسة فحص بيئي مبدئي يقع في منطقة تعتبر من المناطق الحساسة بيئياً، يخضع هذا المشروع حكماً لدراسة تقييم أثر بيئي. إنّ المنطقة حيث يتم تنفيذ مشروع البناء هذا هي من المناطق الحساسة بيئياً كونها مصنّفة من المواقع الطبيعيّة بموجب القرار رقم ١/٩٧ وأدرجت على لائحة “ذاكرة العالم” من قبل منظمة الأونيسكو عام ٢٠٠٥.”
ومن وجهة نظر التيار الوطني الحر، وعن لسان مسؤول منشآت التيار المهندس فادي حنا، ان هذه الحجة غير مقنعة لأن المنطقة غير حساسة “بيئياً” انما “ثقافياً”، وهم أخذوا بعين الاعتبار عدم المس باللوحات التاريخية والأثرية الموجودة في المنطقة.
وفي اتصال مع وزير البيئة السابق طارق الخطيب، اوضح ان التيار الوطني الحر استحصل على كل الافادات المطلوبة لتشييد المقر، وفي ما خص دراسة تقييم الأثر البيئي، أكد أن كل المشاريع التي انشئت في تلك المنطقة، مثل مشروع oh ciel مثلا، لم يطلب منها سوى الفحص البيئي المبدئي، وهو ما يعتبر او فساد عن سابق تصور وتصميم لاستغلال تلك المشاريع بهدف درّ الاموال للدولة، او عن سوء ادارة وعدم اطلاع على القوانين البيئية وشروط تنفيذها، وهو ما يعتبر كارثة اكبر، اذ يؤكد أن كل من توالى على ترأس الوزارات، لم يكن على اطلاع واسع بطرق تسيير اعمال تلك الوزارة بالاساليب الصحيحة، اي لم يكن تكنوقراط.
وفيما خص هذا الموضوع اصدر خوري بياناً، أكد فيه ان كل ما ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الاعلامية عن عملية تواطؤ بينه وبين التيار غير صحيحة، وأن القيمين على المشروع (اي التيار الوطني الحر) استحصلوا على كل ما يتطلبه الامر ليصبح مشروع قانوني وسائر بحسب الاعراف والتشريعات.
ورشة بناء ام مقلع؟
من ناحية اخرى، تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تظهر فيه جرافات وآليات تعود لمتعهد المشروع، المهندس داني خوري، تحمل صخوراً من مكان المشروع حيث عمليات الحفر، وتنقلها الى مرفأ جونية بهدف ترميمه واضافة جزء سياحي عليه.
وفي اتصال مع خوري، أكد انه استخدم بعض الصخور التي تم تفكيكها بعمليات حفر الارض لبناء بيت التيار، وتم بيعها بمناقصة قانونية وشرعية في الدولة اللبنانية الى مرفأ جونية. وفي الحديث عن وجود رخصة “نقل ناتج” التي تجير له نقل المقاولات من ورشة الى اخرى، اكد خوري ان وزيرة الداخلية والبلديات السابقة ريا الحسن ألغت هذا القرار واصبح مشرعاً استخدام مقاولات ورشة معينة ونقلها الى اي مكان آخر كما اعلن ان صخور نهر الكلب ليست هي الوحيدة التي يتم استخدامها في مرفأ جونية، بل لديه عدة مصادر يستخرج منها الموارد الصخرية.
ويؤكد خوري انه استحوذ على رخصة حفر للمنطقة المنشودة في نهر الكلب، وليس على رخصة مقلع، واوضح انه يحق له استخدام الموارد التي تنتج عن هذه الحفريات واستثمارها. وشدد على ان كل ما يقوم به وفق المعايير القانونية محترماً ومراعياً القواعد الهندسية اللازمة.
ويضيف ان المقلع بحسب التعريف الهندسي، هوعملية حفر واستخراج الموارد الترابية والصخرية لبقعة جغرافية معينة والتجارة بالمقاولات المحفورة والمستخرجة دون ترميم المنطقة او انشاء اي مشروع عليها، وهو الأمر الذي لم ولن يحصل في مشروع بناء بيت التيار في نهر الكلب اذ ان المراد من عمليات الحفر ليس التجارة بالصخور والأتربة، بل بناء مقر حزبي.
بيت التيار بين الطابع الحزبي والطابع الثقافي. ايهما المهيمن؟
وعن المستند الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يفيد ان موافقة التنظيم المدني اتت على اساس بناء مشروع ثقافي وليس مركز حزبي، يوضح المهندس فادي حنا مسؤول مكتب المنشآت في التيار الوطني الحر، أنه ما من قانون واضح يجبر المستثمر من تحديد اسم المنشأة ونوعها، كما قال ان مقر التيار المقرر بناؤه في نهر الكلب، سيتضمن مكتبة ومركز للإجتماعات ومتحف لعرض انجازات العماد ميشال عون وتاريخه في العملين العسكري والسياسي، اي ان المقر هو حزبي في الظاهر، لكن له طابع ثقافي في المضمون.
قلق من تدمير التراث اللبناني.. اما وزارة الثقافة ومديرية الاثار في لبنان .. فحدث بلا حرج!
ابدى المجلس الدولي للآثار والمواقع في لبنان قلقه ازاء ما يحصل في نهر الكلب من حفريات في موقع صنف في قائمة اليونيسكو عام 2005 “بذاكرة لبنان”.
اما رئيس مديرية الآثار سركيس خوري، فلم يعر اهمية لإتصالات الصحافة، لعله يكشف للرأي العام موقف المديرية من تصريح المجلس الدولي للأثار والمواقع، الا انه في بلد يهمل البشر، من سيهتم بالحجر؟
ومن جهتها ايضاً ، لم تجب وزارة الثقافة على نداء السلطة الرابعة، فربما بسبب ضغط العمل والمشاريع الثقافية العظيمة التي تقوم بها الوزارة، لم يجد اي موظف الوقت للإجابة عن بعض الأسئلة، ليعرف الشعب اللبناني ما مصير آثار بلده وتاريخه.
“ما حدا احسن من حدا” ..
وطبعاً، تساءل الكثير، لما اختار التيار الوطني الحر منطقة مهمة ثقافيا وتاريخيا، وحساسة سياسياً، ليشيد عليها مقراً حزبياً، وطرح البعض عليهم فكرة تغيير الموقع، لكن “غيري مش احسن مني”، هكذا كان رد فادي حنا، مسؤول منشآت التيار الوطني الحر، وقال: هل يجرؤ احد على توجيه تلك التهم الى رؤساء الاحزاب الأخرى، رغم التعديات القانونية الواضحة من طرفهم؟
واعلن ان المقر يتم بناؤه بطريقة قانونية ومشروعة وبكل فخر “لا غبار عليه”، وما يحصل من حملات معارضة لهذا المشروع، خلفيتها سياسية وليست بيئية او اجتماعية، لكننا منفتحين على الجميع وكل ما يطلبه الرأي العام من اوراق ومستندات، ستكون موجودة وبكل شفافية.
الهوة بين الشعب والتيار تزداد ..
الصراع بين التيار وعدد كبير من الشعب، ليس وليد هذا المشروع فقط، بل هي عملية ابصرت النور منذ تسلمه وزارة الطاقة، واثبات فشله في ادارة هذا القطاع، ومساهمته في تراكم الديون على الشعب اللبناني، ليصبح هذا التيار بنظر اللبنانيين، السبب الاساسي للانهيار الإقتصادي الحاصل.
ويعتبر محبو الطبيعة، أن التيار الوطني الحر، لا ينفك يمارس ارهابه على البيئة، فكيف لمن فشل في تأمين الكهرباء ان يُؤتمن على لبنان “الأخضر”؟