الرئيسية / مقالات / الغزو الرقمي.. غرّد من برادك الذكي

الغزو الرقمي.. غرّد من برادك الذكي

منى فياض/

بعد شرائي جهاز كمبيوتر جديدا، صرت أتلقى رسائل دعائية لبعض العروض الخاصة. كان من بينها عرض لبراد بدت على بابه شاشة كشاشة الكومبيوتر؛ لو لم اقرأ مقالا عن التغريد من البراد قبل ذلك بأسبوع لكنت دهشت، ولما فهمت الدعاية.

موضوع المقال هو العالم الرقمي الذي يجتاح واقعنا ويقلب حياتنا، مثل ما حصل في تجربة فتاة بعمر 15 عاما من المعجبين المهووسين بالمطربة آريانا غراندي، لدرجة أنها كانت تقضي معظم وقتها في متابعة المطربة على تويتر. فما كان من الأم سوى أن صادرت هاتفها المحمول. لكن الفتاة استخدمت منصات اللعب كي تتابع رسائلها التويترية. انتبهت الأم ومنعتها مجددا. حينها لجأت إلى البراد الذكي الذي تملكه الأسرة ووجدت طريقة لاستكمال “هوايتها”.

صحيفة الغارديان، التي أوردت هذه القصة منذ البداية، شككت بصحة استخدام الفتاة الصغيرة للبراد، بعد أن راجع خبير مختص التغريدة واستنتج أنها استخدمت حسابا مطورا من أجل إضافة ” LG Smart Refrigerator” كمصدر للتغريدة. من جانبه، أكد الناطق باسم الشركة المصنعة إمكانية استخدام البراد للدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعية، من دون أن يؤكّد أو ينفي حصول هذه الحادثة المحددة.العالم الرقمي عالم مقلق يغزو المساحات والثقافات ويحدث فيها تغييرات جوهرية

يتابع كاتب المقال أن المسألة لا تتعلق بهذا الموضوع ذا الطابع المثير للجدل، لكن تظل للحكاية رمزيتها فيما يتعلق بالاتجاهات المرتبطة بالحضور الكلي للأغراض التي تتمتع بقدرات التقاط وبث معلومات حول أفعالنا وحركاتنا.

نعرف منذ فترة أن الهاتف الذكي ليس مجرد هاتف. وأن القدرة على الاتصال بشبكة الانترنت موجودة في معظم أدواتنا، حتى التي تبدو غير ضارة، وتحولها إلى أجهزة قابلة للاتصال الرقمي على مستوى الكوكب. ولم يعد بالإمكان اعتبار البراد مجرد براد ولا جهاز اللعب مجرد جهاز للعب.

إن قدرة هذه الأدوات على الاتصال والربط ومعالجة المعطيات تساهم بتعديل شروط حياتنا اليومية بالغين وأطفالا. علينا، عند استخدام أي غرض، النظر إليه في سياق الفضاء الشبكي المربوط به. التمييز الكلاسيكي للأغراض، التي ارتبط بها عدد من القوانين والالتزامات، في طريقه إلى الذوبان. ليس بإمكاننا اعتبار الأغراض الرقمية بنفس الطريقة كمثيلاتها غير القادرة على الارتباط والتشبيك. كما لا يمكن أن نتخيل التحديات التي قد تواجهنا، نحن المعتادين على طرق الاستعمال القديمة، عندما نوقع آليا تلك العقود الطويلة غير الواضحة كلما لجأنا إلى استخدام الأدوات الجديدة بقدراتها الارتباطية الكونية.

إن تقييم التحديات والمخاطر الناجمة عن معظم هذه الأغراض المتصلة بالشبكة يجب أن تشمل أكثر من مجرد وظيفتها البرمجية، بل أيضا مستوى الأمن المطلوب لاستخدامها في مكان محدد؛ آخذين بعين الاعتبار أن وظيفتها هي أن تُستخدم في سياق شبكة شمولية. المعلومات التي تلتقطها هذه الأغراض وتبثها تتدفق في بيئة لا حدود لها مبدئيا ولا قدرة لنا على ضبطها.

يمكن أن ينتج عند استخدام هذه الأغراض وبسبب ترابطيتها بالذات، تأثيرات واسعة ومختلفة انطلاقا من عوامل عدة. فأن تستخدم مقترنة مع أغراض أخرى، يمكن أن يولد نتائج من الصعب التنبؤ بها؛ يمكن مقارنتها من عدة نواح بالآثار الجانبية الناتجة عن استخدامنا للأدوية. هذا فيما يخضع وضع الأدوية في التداول لمجموعة شروط وتدابير احترازية ومصادقة مسبقة قبل وضعها في الأسواق.

فهل يمكن أن يطلب أن تخضع هذه الأغراض لشروط أكثر صرامة كي نستبق التحديات والمخاطر، التي يمكن أن تنتج عن إدخالها الشبكة، قبل وضعها في السوق؟

ألا ينبغي تأمين ضمانات كافية للمستخدمين لجهة الشروط التي تلتقط فيها المعلومات وتحلل وتحفظ وتربط ويعاد ربطها؟!

وإلى جانب كل ما سبق، ينبغي إضافة القضايا المجتمعية المتعلقة بها. فمهمة البراد الذكي في الأساس هي تحديد صلاحية المواد الذي يحتويها في الوقت الواقعي. وهذه المعلومات تكون في متناول عضو في الأسرة لمناسبة خاصة مثلا أو للتدخل الاضطراري أو ما شابه؛ لكنها لا ينبغي أن تكون بمتناول أي شخص آخر.

هناك كل يوم المزيد من الأغراض المرتبطة بالشبكة مثل آلة صنع القهوة تشترك في البيئة المحيطة أي “عالم” الذكاء الاصطناعي. صرنا أسرى عالم يمكن فيه تجميع كل حركاتنا تقريبا ومراقبتها.

طرحت في الأسواق مثلا نسخة من دمية باربي مرتبطة بالشبكة وتتبادل الحديث مع الأطفال، أعتقد أنها أوقفت. إن مثل هذا الأمر يهدد بغزو خصوصية المنازل ومعلوم أن الطفل قد يخلط الوهم بالواقع وقد يؤدي إلى التدخل في حميمية العلاقات الأسرية ويحمل مخاطرة سوء فهم قد تكون مدمرة.

العالم الرقمي عالم مقلق يغزو المساحات والثقافات ويحدث فيها تغييرات جوهرية دون أخذ الإذن أو الخضوع لأي تدابير احترازية.

نشرت أسرة تحرير صحيفة Le Devoir الكندية رسالة جماعية عبرت عن قلقها على ثقافة كيبيك المهددة من شبكة الإنترنت المعلوماتية. لاحظت أسرة التحرير أن الكنديين يستهلكون بتزايد مستمر ما يبث على الشبكة من موسيقى وفيديو وكتب وصحف، مثلهم مثل سائر الخلق بالطبع.

ففي أقل من جيل واحد أصبحت هذه الخدمات شعبية جدا ولا غنى عنها. لا شيء يدعو للاستغراب عندما يحصل المستهلك على عشرات ملايين المقطوعات الموسيقية مقابل 10$ في الشهر وبعشرة أخرى تعرض عليه آلاف الساعات من المسلسلات والأفلام على نتفليكس أو غيرها. كما يمكن اصطحاب مكتبة في جيبنا والوصول إلى عدد لا محدود من عناوين الكتب الجديدة.

يتساءل ناشرو رسالة التحذير هذه: محتويات غير محدودة وفورية مقابل بدل بسيط. فلماذا الاعتراض؟

لكن البث الرقمي لم يحول فقط طرق الوصول إلى المحتوى الثقافي، بل قلب الايكوسيستيم الثقافي مع فقدان القدرة التكيف مع قواعد اللعب الجديدة.

فعلى مستوى صناعة الموسيقى، وبحسب أرقام رابطة صناعة الاسطوانات والعروض والفيديو الكيبكية، يجب جمع 30 مليون مستمع على الشبكة كي يتأمن عائد مشروع ألبوم الآن، مقابل 15 ألف اسطوانة حقيقية مباعة سابقا.

موازنات القطاع السمعي البصري للإنتاج في اللغة الفرنسية تعاني من انخفاض مستمر، ويعاني التوزيع من انخفاض المستمعين والعائدات الدعائية. في العام 2013 تجاوزت عائدات الدعايات على الإنترنت عائدات الدعايات على تلفزيون كندا، وسيستمر الفارق في التزايد مع السنوات.

إن شركتي نتفليكس والسبوتيفي الأجنبيتان، ليس لهما أي مساهمة مالية في إنتاج المحتويات الثقافية الكندية، عكس محطات الراديو والتلفزيون وكابلات التوزيع. ونفس الأمر ينطبق على موزعي خطوط الإنترنت والهواتف المحمولة التي تسجل نموا في الأرباح يتجاوز الـ 38٪.المطلوب العمل على تشريعات لقوانين ضابطة للقطاع الرقمي لحماية خصوصيات البشر وإنتاجهم الثقافي

استطاعت كندا في السابق أن تكيف سياساتها لحماية الثقافة وتشجيع نمو الإيكوسيستام الثقافي المحلي الغني والمنوع. لكن هذه السياسات لم تعد مناسبة من الأن وصاعدا أو كافية كي تساعد الازدهار الثقافي لأنها لا توفر العائدات المناسبة للفنانين والمبدعين والمنتجين والمهنيين ومتعهدي الثقافة.

وتشير الرسالة إلى أن الحكومة قامت بعدد من الاستشارات والمراجعات في قطاع الثقافة، لكن المطلوب الآن الانتقال إلى الفعل. المطلوب اتخاذ التدابير المطلوبة لحماية الثقافة الوطنية على غرار ما يفعل الاتحاد الاوروبي من تدابير إصلاحية تم تبنيها في السنوات القليلة الماضية.

الخلاصة: المطلوب العمل على تشريعات لقوانين ضابطة للقطاع الرقمي لحماية خصوصيات البشر وإنتاجهم الثقافي وإلا سنتحول مجرد بضاعة تُستغل وتَستهلِك منتجات الذكاء الاصطناعي الموسيقية والثقافية كما أشار يوفال نوح هراري في كتبه.

عن INN-News

رئيس التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عصابة في لبنان بطلها “سجين “في سجن رومية

محمد عوّاد قام المدعو “داني” بعرض شقّته للبيع على موقع OLX (وهو موقع الكتروني وتطبيق ...